غربة

هب أنك تسكن مع والدك في بيت تفترض أنك تملكه أنت وأبوك وليس ملكا لأبيك فقط، وهب أيضا أن والدك هذا رجل مستبد أرسلك إلي أحقر مدرسة ولم يأتي إليك إلا بالسيئ والقليل من الطعام ولم يذهب بك إلي الطبيب حين مرضت، يعذب إخوتك الصغار، يفرض أتاواته علي إخوتك الأكبر منك سنا، يذهب بأختك إلي سوق النخاسة لمن يدفع أكثر، يبيع إخوتك الرضع إلي من حرموا من الأطفال.... إلي أن بلغت سن العمل فإذا أنت وحيدا لا تملك إلا القليل فلا أنت تعلمت كما ينبغي ولا أنت تتمتع بصحة جيدة حتى تواجه ظروف العمل وطبيعته الشاقة. فلم تجد أمامك إلا ما يعرضه عليك أبوك للقيام به من أعمال شاقة داخل البيت ليعطيك في نهاية يومك إذا أراد كسرة خبز. عينك تتطلع دائما إلي أقرانك من أولاد الجيران فأنت لست أقل من أي منهم بل تفوقهم ذكاءاً وقدرة علي العمل ولكن حظك العاثر أوقعك مع هذا الأب. تقرر بينك وبين نفسك التغيير .. تسهر كل ليلة لتقرأ وتتعلم .. تقترض حتي تتعلم وتتقن حرفتك في انتظار الهروب من بيت أبيك..
وفي لحظة ما قابلت جار لك فعرض عليك العمل معه بعشرة أضعاف ما يعطيه لك ابوك اضافة الي رعاية صحية وسكن مؤثث وفوق كل هذا ستعمل في مهنتك الحقيقة.
شردت بذهنك .. تربطك عاطفة ما بأبيك .. مهما كان قاسيا أو جائرا .. لا زلت ترتبط به إرتباطا غامضا مهما غصبك حقوقك أو ظلمك. لكن تتملكك قناعة في لحظة ما أنه بأسلوب تعامله معك هذا فهو يطردك من البيت الذي هو بيتك أيضا .. نعم بلا شك هو لا يرديني .. يطردني .. نعم أنا لست جبانا ولا هاربا .. أنا مطرود
تذهب إلي جارك .. تكتشف آدميتك التي كنت قد نسيتها طوال أقامتك في بيتك .. تتفوق علي أقرانك من ابناء الجيران وحتي أولئك الذين جلبهم جارك للعمل معه من كافة بقاع الأرض..
في لحظة تشعر بأهميتك تندم علي ما ضاع من وقتك في انتماء زائف تجاه بيتك الذي يفسده أبوك بتصرفاته المستبدة والطائشة .. تحار لا تدري ماذا تفعل ...ما بين الحنين إلي بيتك وأخوتك الذين لا زالوا بالأسر وبين الواقع الذي تعيشه الآن ...
تكره الغربة و تتمنى العودة ...
تبغض الفشل و تعشق النجاح ...
ها أنت قد عرفت قيمتك وقيمة عملك ومجهودك ووجدت أخيرا من يحترمك ... فهل تبيع هذا وتشتري قلبك الذي أبي أن يغترب معك وآثر أن يظل حبيسا مع من يحب حتي وإن ظلمه أو طرده؟