Wednesday, December 13, 2006

الثانية والنصف




نظرت في الساعة المعلقة علي الحائط فوجدتها الثانية والنصف ... مازال أمامي ساعتين علي عودتها .. كل شيء هادئ ومرتب وممل .. الصحف في حافظة الصحف .. الأحذية في خزانة الأحذية .. ريموت التلفاز والقمر الصناعي يتدليان في حقيبتهما المعلقة علي ذراع الأريكة .. منفضة السجائر نظيفة ولا أثر بها لأي بقايا .. الوسائد الصغيرة مرتبة بعناية وموزعة بنظام هندسي محكم علي الأريكة .. تلك المفارش المطرزة البلهاء موزعة علي أذرع المقاعد .. والساعة مازالت الثانية والنصف... كم أكره هذا .. وددت لو عاد بي الزمن إلي الوراء مرتديا ذلك السروال القصير وممدا علي الأرض أفترش السجادة الصغيرة التي تكيفت بدورها مع تمدد جسدي فأصبحت مثل ملائة السرير تحت جسد مصارع عتل بات ليله يصارع غريمه في بروفة ومحاكاة لما كان يتمني أن يفعله مع غريمه ليلة هزم فيها .. أستند برقبتي علي حافة الأريكة التي مالت تحت تأثير ارتكازي عليها الي الحائط مكونة ذلك الخط الحفري الأسود الرائع الذي يشبه الحفريات التاريخية في تعبيره عن حقبة تاريخية مهمة تتمثل في سهراتي الرائعة أمام التلفاز وكلما زاد عمق الأحفورة وسواداها دل ذلك علي عدد الأفلام التي شاهدتها. كم أشتقت إلي "كيس" اللب الأسمر المائل علي الأرض ليلقي بنصف ما فيه خارجا بينما أمارس هواية القزقزة بشغف كبير ولا يعنيني أبدا أين أقذف بالقشر من خارج فمي بل يعنيني فقط شيء واحد هو الإنتهاء من جرعة اللب هذه. وجانبا الجرائد مفتوحة علي مصراعيها علي صفحة الرياضة مقصوصا منها صورة تلك الفتايات الساحرات مشجعات فريق البرازيل الذي دائما ما كنت أعزو فوزه لوجود مثل تلك الحسناوات خلفه .. علبة بيبسي فارغة موضوعة بعناية علي حافة ذراع المقعد تغيرت وظيفتها إلي منفضة سجائر وتناثر من حولها الرماد في ديكور بديع .. قصاصات ورقية ملقاة هنا وهناك مليئة بالأرقام ونتائج مباريات البرديج .. بقعة شاي علي المقعد إثر معركة بيني وبين أحد الأصدقاء كان يغش في اللعب .. ريموت مكسور يذكرني دائما يوم هزيمة الزمالك من السكة الحديد حين ألقيت به في وجه صديقي الأهلاوي الشمتان.. ثقوب مهللة بالسواد في أطراف السجادة تعيد صياغة النقوشات الفارسية البلهاء وتصنع منها قطعة فنية أكثر حياة ... بنطلون بيجامة ملقي في جانب الغرفة يدل موقعه جانب علبة الورنيش وطبقة السواد اللامعة بطرفه علي استخدامه الحقيقي.. ساعة معلقة علي الحائط كلما نظرت إليها لتعرف الوقت وجدتها الثانية والنصف .. إنها مجرد حياة مبعثرة ولذيذة ..




كم كنت أكره النظام وأحب الفوضى..
انتبهت علي صوت المفتاح بالباب .. انها هي .. لمَ عادت مبكرة اليوم ؟ كانت عيني لازالت معلقة علي الساعة ببلادة شديدة ولازلت أراها الثانية والنصف .. ولكن صوت المفتاح أفاقني من غيبوبتي لأجد أنها أصبحت الرابعة والنصف .. كل شيء كان قد تغير .. المفارش مبعثرة .. السجادة ملتوية تحت جسدي المدد عليها .. الوسائد الصغيرة مرصوصة تحت إبطي وخلف رقبتي .. ذلك الخط الحفري الرائع بدأ يتكون علي الحائط الخلفي للأريكة ... أعقاب السجائر مبعثرة علي البلاط .. الروب دي شمبر يتدلي بثلثيه من المقعد .. كل شيء عاد لطبيعته ماعدا تلك الساعة اللعينة انها الرابعة والنصف.
ما لبثت أن فتحت الباب ورأت ما آل إليه تعب سنين عمرها في ترويض ذلك الفوضوي حتى كانت فتحة فاها أكبر من فتحة ذلك الباب الذي مرت من خلاله دهشا من شدة الصدمة .. لم تطل لحظات صمت الدهشة كثيرا بل أعقبها سيل متواصل من الصياح والهياج والسباب وعلي الطرف الآخر لم يتغير شيء مازلت ممددا ببلادة علي السجادة وببلادة أشد كانت الكلمات تخرج هادئة من فمي المطبق علي السيجارة: "انتي طالق" رفعت عيني تجاه الساعة لأجدها قد دبت بها الحياة وعادت إلي الثانية والنصف .. أما هي فقد سقطت مغشيا عليها!!


5 comments:

t_almamlouk said...

كم هو سعيد ذلك الرجل الذى اعاد عقارب الساعة الى الثانية و النصف مرة اخرى

اعتقد ان ما كتبته فى وصف سعادته بعوده العقارب ستشجع الكثيرين للاقدام على تلك الخطوة الرائعة فى حد ذاتها.

وخاصة ان كان من اصحاب الدم الملكى مثلى

Anonymous said...

مازلت تتميز بتلك الاسلوب الساحر الجميل في اصداراتك ، عجبتني اوي الاحاسيس و الانفعالات الجميلة الجريئة رغم اصداراك اخر قرار ، لكن بصراحة ليك حق
استمر في رواياتك الممتعة ف انتظار المزيد من المشاعر و الاحاسيس الواقعية الجريئة

Anonymous said...

برافوووووووووووو
حقيقى
القصة ممتعة و جداااااااا
بس كنت عايزة اعرف يا ترى الزوجة اغمى عليها ليه؟
يا ترى من الطلاق ولا من منظر الشقة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
انا من رايى انها اكيد اغمى عليها من التانية

Anonymous said...

عزيزي ايمن

لقد اختلفت معك في الاراء كثيرا ولكني معجبه جدا هذه القصه القصيره لقد استعملت النهج الفرنسي في التصوير في السرد مع اني اكره هذا النهج الا انني اعجبت جدا بستخدامك له يا ريت اقري حاجه تانيه من اعمالك قريب

Anonymous said...

الثانية والنصف رائعة فعلا انا بعتها لكل اصحابي من المتذوقين وعجبتهم اوى بجد حلوة جدا