Wednesday, May 30, 2007

مغلطناش في البخاري

ترددت كثيرا قبل كتابتي لهذا الموضوع، نظريا من المفترض أنني أتحدث عن بشر عادي وليس نبياً معصوماً من الأنبياء وكتاب كتبه بشر أيضاً، وبالتالي فالخطأ وراد وحق النقد مكفول. ولا أريد أن يأخذ كلامي هنا كأنه مُسلم به، ولكني قصدت به بناء نظرية قابلة للصواب أو الخطأ. ولا يؤخذ أيضاً علي سبيل التشكيك أو التقليل من شأن الأمام العظيم فلم أقصد هذا أبداً.
مبدأيا دعنا نتفق علي مجموعة من المبادئ، إن أتفقنا عليها فلنكمل رحلتنا في هذه القضية الشائكة، وإن لم نتفق فدعك مني، أو أئتني - إن أردت - بحجتك.
المبدأ الأول وهو أن الكتاب الوحيد المنزه عن الخطأ هو القرآن الكريم، وإذا فرض وآمنا بغير ذلك أو بأن هناك من الكتب ما يصل إلي منزلة القرآن من القدسية والبعد عن الخطأ فيعد هذا نوع من أنواع الشرك بالله، حيث نشرك كلام آخر مع كلام الله في صفة التنزيه عن الخطأ حسب مفهوم التوحيد.
المبدأ الثاني وهو أن كل البشر عرضة للصواب والخطأ وبالتالي للنقد الموضوعي.
المبدأ الثالث وهو أن التجديد مطلوب في دراسة الأديان حسب متطلبات العصر وإلا فما فائدة ما قام به جميع الأئمة الكبار من أمثال الأمام مالك والشافعي وأبو حنيفة وابن حنبل وحتى الشيخ محمد بن عبد الوهاب. والتجديد هنا بمعني الاجتهاد في فهم النصوص والتشريعات في ظل ما نعيشه من أمور عصرية وتغيرات حديثة.
المبدأ الرابع وهو البعد عن العلم الذي لا ينفع مع التصديق الفرضي بكل أقوال الرسول التي نسبت إليه إن كان قالها، وأقصد هنا الأحاديث المنسوبة إلي الرسول صلي الله عليه وسلم ولا تتفق مع زماننا ولا تأثم من يتركها ولا تثيب من يعمل بها، كمثال علي ذلك حديث رضاعة الكبير، ولنكتفي بالقول إن كان قالها فقد صدق.
المبدأ الخامس وهو الأخطر، القاعدة الفقهية القائلة لا اجتهاد مع نص يلزمها إعادة نظر لتعريف ماهو المقصود بالنص، وما هو المقصود بمنع الاجتهاد بالرغم من ثبوت أحداث ووقائع عديدة عن الخلفاء الراشدين تدل علي اجتهادهم رغم معارضة ذلك الاجتهاد (ظاهريا) لبعض النصوص، وعلي سبيل المثال محاربة المرتدين عن اداء الزكاة وكذلك عدم اقامة حد السرقة حال المجاعة وهي اجتهادات أخطر كثيرا من أمور أقل منها كثيرا تثار في وقتنا الراهن ولا يقبل بعض علمائنا الأجلاء الخوض فيها بحجة لا اجتهاد مع نص مستشهدا بأحد الأحاديث "الصحيحة" وحسب تفسير هذا الحديث في كتب التفسير التي كتبها السلف من واقع اجتهادهم وفهمهم في ذلك العصر. ومثال ذلك ربط رمى الجمرات في الحج بوقت الزوال، مما يؤدي إلي وقوع كوارث بالجملة، وكذلك عدم السماح ببناء مباني للسكن عوضا عن الخيام بمنطقة منى.
وقد تكون إعادة النظر في قاعدة "لا اجتهاد مع نص" كما أشار البعض مثل الدكتور عبد الوهاب المسيري بالدعوة إلي سعة مجال هذه القاعدة لتكون "لا اجتهاد مع النص في كليته وتركيبته" بمعنى الرؤية الشاملة لهذا النص دون الاكتفاء بمنطوقه.
وأنا هنا لا أنقد ولا أستطيع أو حتى أجرؤ علي نقد صحيح البخاري أو مسلم ولكني فقط أتعجب وأتسائل عن دور علماء المسلمين علي مدار اثني عشر قرنا من الزمن (بعد البخاري)، هل أقتصر دورهم علي شرح ما جاء بالكتاب فقط دون التحقق من صحته وتنقيحه وتصنيفه؟
وما معني قوله تعالي "أفلا يتدبرون القرآن" اذا كان فعلا لا اجتهاد مع نص؟
أنني كمسلم أتمنى أن أري جهة واحد تأخذ علي عاتقها وتتحمل مسؤولية إرشاد هذه الأمة المتخبطة في زماننا الحالي بين رضاعة الكبير وبول البعير... جهة نثق في كلامها وليست مثارا للسخرية، جهة تقرأ وتتأمل وترى ما حولها، جهة تعمل لصالح الدين والدنيا، جهة تعمل لرفع شأن الأسلام والمسلمين.. للأسف لم يتفق علمائنا علي أبسط الأشياء مثل رؤية هلال رمضان حتى داخل البلد الواحد.

حكمة: هناك أناس لديهم مقدرة فائقة علي الكلام دون أن يقولوا شيئا.

Monday, May 21, 2007

راسبوتين

راسبوتين أحد الشخصيات المحيرة للفهم والتي دار حولها جدل كبير، فالرواية المتداولة تتحدث عن رجل دين فاسق عربيد يرتكب جرائمه تحت رداء الدين. والرواية الأقرب إلي المنطق هي تلك التي تتحدث عن شخص مقرب من الأسرة الحاكمة الروسية أبان الحرب العالمية الأولي، استطاع هذا الشخص الوصول إلي شبه إتفاق مع ألمانيا بموجبه تتوقف الحرب الدائرة بين الألمان والروس، مما يعني توقف العمل علي الجبهة الألمانية الروسية وبالتالي تفرغ أكثر من ثلاثمئة وخمسون ألفا من القوات الألمانية التي بطبيعة الحال سيتم الاستعانة بها علي باقي الجبهات وبخاصة الجبهة البريطانية مما يعني هلاك الأنجليز بالتأكيد. فاستطاعت بريطانيا بما تمتلكه من شبكة تجسس خارقة، تشويه صورة الرجل – حسب الرواية المتداولة بشكل شبه بديهي عن الرجل – واستطاعت في النهاية إغتياله علي أيدي الأسرة المالكة ذاتها بالتعاون مع المخابرات البريطانية. هذه هي الرواية الأقرب إلي الحقيقة من وجهة نظري، فلا يمكن للعقل أن يصدق تقريب أسرة ملكية لرجل معروف بالفسق والعربدة حتى أصبح مضرب الأمثال بتلك الصورة التي كان عليها راسبوتين وجعله مستشارا خاصا للقصر ومعروف عنه كل هذا العهر.
وبالرغم من "تبرئتي الشخصية" للرجل إلا أنني لم أستطع محو شبح راسبوتين من مخيلتي عندما أصطدم في حياتي الشخصية بمن هم راسبوتينين أو بمعني أدق من تسهل لهم أنفسهم الرذيلة – علي مختلف مستوياتها – متخفين وراء تلك العباء الدنينة التي تفرض حولهم حصانة تنمع العامة والبسطاء من مجرد الشك في نواياهم. ولعل الظهور بمظهر الفاسق يسهل للضحية التعرف علي ما ستواجهه من أخطار، ولكن هذا التخفي الديني لا يترك مجالا للشك أمام الضحية، تماما مثل ما حدث مع بعض شركات توظيف الأموال، وحدث فيما أذكر أيضا في حالات تحرش جنسي بأحدى دور العبادة المسيحية.
وفي محيط الانترنت حيث الأمر أسهل كثيرا، يعشق البعض تقمص الشخصية الراسبوتينية للايقاع بالضحية، فهي أثبتت أنها أسهل وأقصر الطرق خاصة مع البسطاء. وما أسهل حفظ بعض الآيات والأحاديث الشريفة واستغلالها لفرض حصانة هلامية حول حديثه تمنع الآخرين حتى من فرضية خطأه وتجد هذا منتشرا بغزارة شديدة في المنتديات والمجموعات البريدية. وينساق وراء هؤلاء الراسبوتينين مجموعة من البسطاء حسني النية فينشرون أفكارهم وهم علي يقين وإيمان تام من صحة هذا الفكر ونقاءه، كيف لا وقد قال الله كذا كذا وقال الرسول كذا كذا. وتجد في بعض الأحيان من يقول لك فلان ينطبق عليه قول الله تعالي كذا وكذا ... عفوا أأنتم من أنزلتم القرآن وتعلمون أكثر من الله عز وجل من المقصود بهذه الآية وتلك؟ أتحاسبون الناس وتدخلونهم الجنة والنار؟ وكانت النتيجة فوضى فكرية وتخبط وسيل من البريد الاليكتروني علي شاكلة أبعتها لأصدقائك ولك مليون نخلة في الجنة وغيره الكثير. وتكفير أناس، وهتك أعراض آخرين، وكل هذا وراء تلك العباءة الدينية الراسبوتينية القبيحة التي يلجأون إليها أحيانا بحثا عن الشهرة أو التعرف والإيقاع بالجنس الآخر علي الانترنت نتيجة ضعفه عن ممارسة ذلك في الواقع.
لا أشكك في نوايا الأغلبية العظمى من هؤلاء ولكن أحذر من كل راسبوتين يخفي وجهه القبيح وراء تلك الهالة الزائفة فهؤلاء هم أكثر من يسيئون للأديان.

Thursday, May 10, 2007

الأرض ... الإنسان

وفي الكيمياء نواصل الحديث ونقول أن العناصر تم تصنيفها إلي فلزات ولا فلزات وبينهما مجموعة أشباه الفلزات. والفلزات (المعادن) هي مواد ذات خواص معينة أهمها الصلابة والكثافة العالية والتوصيل الكهربي والحراري بينما اللافلزات علي العكس. وتتكون الكرة الأرضية في معظمها من اللافلزات بينما تشكل الفلزات النسبة الأقل رغم تنوع الفلزات إلي أكثر من تسعين عنصراً بينما اللافلزات لا تتعدى إثنا عشر عنصرا فقط.
وفي البشر إذا أعدنا تعريف الفلزات من حيث الصلابة (القدرة علي التحمل) والكثافة (الإتزان واستقلال الشخصية) والتوصيل (القدرة علي التأثير علي الآخرين). بهذا يمكننا تصنيف البشر إلي فلزات ولا فلزات وأشباه الفلزات أيضا .. تماما مثل العناصر الكيميائية الأساسية التي هي أصل الإنسان ومصيره الحتمي بعد الموت والتحلل ورجوعه إلي مكوناته الأصلية.
واعتمادا علي هذا نستطيع تصنيف الأشخاص الذين تركوا بصماتهم في التاريخ علي أنهم من "الفلزات" بينما الآخرين الذين مضوا ولم يتركوا ورائهم أثرا يذكر علي أنهم "لافلزات" وسواء كان هذا الأثر حسنا أم سيئا فهذا لا يغير من هذا التصنيف شيئا. فاليورانيوم (فلز) مثلما له تأثيره المدمر في صناعة القنابل الذرية، له أيضا تأثيره البناء في علاج الأورام السرطانية وتحسين الزراعة.
إذا المادة الخام للعنصر هي الأساس في قوة التأثير ثم بعد ذلك يعود التأثير بالخير أو الشر لعوامل أخرى.
ولو صح تطبيق هذا علي البشر فقد يعني أن شخص ما مثل أدلوف هتلر ينطبق في تكوينه الكيمائي مع شخص آخر مثل غاندي ولكن هناك عوامل أخرى أدت إلي تباين تأثير كل منهما علي المجتمع.
كمثال آخر أيضا من يحب بقوة يستطيع أيضا أن يكره بنفس القوة، وهو ما يؤكد ما قد افترضته في مقالي السابق من أن الخير والشر وجهان لعملة واحدة، وكذلك الحال للحب والبغض أو الكرم والبخل. وأذهب إلي أبعد من هذا لاؤكد كلامي هذا من السيرة النبوية الشريفة حين دعا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يعز الأسلام بأحد العمرين، عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام (أبو جهل). فكلاهما عرف بجبروته وقوة تأثيره في الجاهلية (فلزات قوية).
ونعود مرة أخرى الي التفاعلات الكيميائية بين البشر لنجد أن التفاعل (سواء ايجابي أو سلبي) لا يتم بين فلزين أو لا فلزين، ويجب وجود تباين بين الأشخاص لحدوث التفاعل. ومثال على ذلك مجموعة من الأصدقاء الأسوياء ذوي الصفات الحميدة (لا فلزات) تسير حياتهم بصورة طبيعية إلي أن ينضم لهم مثلا صديق سوء (فلز قوي) حينها يحدث التفاعل ونجد أن مجموعة الأصدقاء هذه جميعا أخذت اتجاه مغاير (كثر تواجدهم في الحانات مثلا).
وسواء تم اكتشاف هذه العناصر الداخلية للإنسان أو لم يتم اكتشافه فسيظل الإنسان نفسه من أعظم أسرارهذا الكون.
(وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون) الذاريات .. ألا يؤكد ترتيب هاتين الآيتين بمدى التشابه والارتباط بين الأرض والإنسان؟

لست أدري فقد يكون كلامي هذا يبعث علي الملل إلي حد ما ولكن لاشك أن به جزء من الصحة.

ملحوظة: كاتب هذا المقال مهندس معماري عمره ما حب مادة الكيمياء طيلة سنين دراسته لها.